ثمّ صرّح بما هو فذلكة التقرير ونتيجته ، فقال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (١).
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))
ثمّ أمر سبحانه بعد ذكره دلائل توحيده بدعائه على وجه الخشوع والتذلّل كافّة عبيده ، فقال : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) أي : ذوي تضرّع ، من الضراعة ، وهي الذلّة ، وذوي خفية ، فإنّ الإخفاء دليل الإخلاص.
وقيل : التضرّع رفع الصوت ، والخفية السرّ ، أي : أدعوه علانية وسرّا.
ويؤيّد الأوّل ما روي : «أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في غزاة ، فأشرفوا على واد ، فجعل الناس يهلّلون ويكبّرون ويرفعون أصواتهم. فقال : أيّها الناس اربعوا (٢) على أنفسكم ، أما إنّكم لا تدعون أصمّ ولا نائيا ، إنّكم تدعون سميعا قريبا ، إنّه معكم».
وعن الحسن قال : «بين دعوة السرّ ودعوة العلانية سبعون ضعفا».
وقرأ أبو بكر عن عاصم : خفية بالكسر. وهما لغتان.
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المجاوزين الحدّ المرسوم في جميع العبادات والدعوات. ونبّه به على أنّ الدّاعي ينبغي أن لا يطلب ما لا يليق به ، كرتبة
__________________
(١) أنوار التنزيل ٣ : ١٢ ـ ١٣.
(٢) يقال : اربع على نفسك أي : توقّف وكفّ.