(نُخْرِجُ الْمَوْتى) من الأجداث ، ونحييها بردّ النفوس إلى موادّ أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواسّ. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فتعلمون أنّ من قدر على ذلك قدر على هذا ، إذ كلّ واحد منهما إعادة الشيء بعد إنشائه ، فلا يكون فرقا بين الإخراجين.
(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨))
ثمّ بيّن سبحانه حال الأرض الّتي يأتيها المطر ، فقال : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) الأرض العذبة الكريمة التربة (يَخْرُجُ نَباتُهُ) زرعه خروجا زاكيا ناميا (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بمشيئته وتيسيره. عبّر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه ، كأنّه قيل : يخرج نباته حسنا وافيا ، لأنّه أوقعه في مقابلة قوله : (وَالَّذِي خَبُثَ) وهو السبخة الّتي لا تنبت ما ينتفع به. (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) نباتا قليلا عسر الخروج منه ، من : نكد عيشهم بالكسر ينكد نكدا ، إذا اشتدّ وعسر. ونصبه على الحال.
وتقدير الكلام : والبلد الّذي خبث لا يخرج نباته إلّا نكدا ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فصار مرفوعا مستترا. أو يقدّر : ونبات الّذي خبث.
(كَذلِكَ) مثل ذلك التصريف (نُصَرِّفُ الْآياتِ) نردّدها ونكرّرها (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) نعمة الله تعالى ، فيتفكّرون فيها ، ويعتبرون بها. والآية مثل لمن تدبّر الآيات وانتفع بها ، ولمن لم يرفع إليها رأسا ، ولم يتأثّر بها.
وعن مجاهد : ذرّيّة آدم منهم خبيث وطيّب. وعن قتادة : المؤمن سمع كتاب الله بعقله فوعاه وانتفع به ، كالأرض الطيّبة أصابها الغيث فأنبتت ، والكافر بخلاف ذلك.