من مكر الله ، كالمحارب الّذي يخاف من عدوّه الكمين والبيات والغيلة.
وعن ربيع بن خثيم أنّ ابنته قالت له : مالي أري الناس ينامون ، ولا أراك تنام؟ قال : يا بنتاه إنّ أباك يخاف البيات. أراد قوله : (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً).
(فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الّذين خسروا بالكفر وترك النظر والاعتبار.
قيل : إنّ الأنبياء وسائر المعصومين أمنوا مكر الله ، وليسوا بخاسرين.
وأجيب أنّ تقدير الآية : لا يأمن مكر الله من المذنبين إلّا القوم الخاسرون ، بدلالة قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (١). أو لا يؤمّن عذاب الله للعصاة إلّا الخاسرون ، والمعصومون لا يؤمّنون عذاب الله للعصاة. أو لا يأمن عقاب الله جهلا بحكمته إلّا الخاسرون.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢))
ثمّ أنكر سبحانه عليهم تركهم الاعتبار بمن تقدّمهم من الأمم ، فقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها) أي : يخلفون من خلا قبلهم ، ويرثون
__________________
(١) الدخان : ٥١.