أَنْ تَأْتِيَنا) بالرسالة (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) أيضا ، فإنّ فرعون يتوعّدنا ، ويأخذ أموالنا ، ويكلّفنا الأعمال الشاقّة ،لم ينفعنا مجيئك إيّانا.
(قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) فرعون (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ) أي : يملّككم ما كانوا يملكونه (فِي الْأَرْضِ) في أرض مصر. وهذا تصريح بما كنّى عنه أوّلا ، لمّا رأى أنّهم لم يتسلّوا بذلك. ولعلّه أتى بفعل الطمع لعدم جزمه بأنّهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم. وقد روي أنّ مصر إنّما فتح لهم في زمن داود.
وقال الزجّاج : «عسى» طمع وإشفاق ، إلّا أنّ ما يطمع الله فيه فهو واجب.
وهو معنى قول أكثر المفسّرين : «عسى» من الله واجب. فالمعنى : أوجب ربّكم على نفسه أن يهلك عدوّكم فرعون وقومه.
(فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فيرى الكائن ممّا تعملون ، من شكر وكفران وطاعة وعصيان ، فيجازيكم على حسب ما يوجد منكم. وحقيقة معناه أن يظهر معلومه ، أي : يبتليكم بالنعمة ليظهر شكركم ، كما ابتلاكم بالمحنة ليظهر صبركم. ومثله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) (١).
(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢))
ثمّ بيّن سبحانه ما فعله بآل فرعون ، وأقسم عليه تأكيدا له ، فقال :
__________________
(١) محمد : ٣١.