على الإنفاق ممّا رزقهم ، وأجمعت الأمّة على أنّ الإنفاق من الحرام محظور.
وإنّما قدّم الإيمان هاهنا وأخّره في الآية الّتي قبل هذه ، لأن القصد بذكره إلى التخصيص هاهنا والتعليل ثمّة.
(وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) فيجازيهم بما يفعلون ويعتقدون. وهذا وعيد لهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠))
ثم حثّ على الإنفاق على الوجه الحسن بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء كالذرّة ، وهي النملة الحمراء الصغيرة الّتي لا تكاد ترى لصغرها. ويقال : لكلّ جزء من أجزاء الهباء (١). والمثقال مفعال من الثقل. وفي ذكره إيماء إلى أنّه وإن صغر قدره عظم جزاؤه. وفي هذا دلالة على أنّه لو نقص من الأجر أدنى شيء أو زيد على المستحقّ من العقاب لكان ظلما.
(وَإِنْ تَكُ) مثقال الذرّة (حَسَنَةً) أنّث الضمير لتأنيث الخبر ، أو لإضافة المثقال إلى مؤنّث. وحذف النون من غير قياس تشبيها بحروف العلّة. وقرأ ابن كثير ونافع : حسنة بالرفع على «كان» التامّة. (يُضاعِفْها) أي : ضاعف ثوابها. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب : يضعّفها. وكلاهما بمعنى. (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ) ويؤت صاحبها من عنده على سبيل التفضّل زائدا على ما وعد في مقابلة العمل (أَجْراً عَظِيماً) عطاء جزيلا. وإنّما سمّاه أجرا لأنّه تابع للأجر ، مزيد عليه ، لا يثبت إلّا بثباته.
__________________
(١) الهباء : الغبار ، ودقائق التراب.