(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))
ولمّا ذكر سبحانه اليوم الآخر وصف حال المنكرين له ، فقال : (فَكَيْفَ) حال هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم (إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) يشهد ـ وهو نبيّهم ـ على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم. يعني : أنّ الله سبحانه يستشهد يوم القيامة كلّ نبيّ على أمّته ، فيشهد لهم وعليهم. والعامل في الظرف مضمون المبتدأ والخبر ، وهو هول الأمر وتعظيم الشأن (وَجِئْنا بِكَ) يا محمّد (عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) تشهد على صدق هؤلاء الشهداء ، لعلمك بعقائدهم ، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم.
وقيل : «هؤلاء» إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم. وقيل : إلى المؤمنين ، كقوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (١).
وعن ابن مسعود قرأ هذه الآية على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ففاضت عيناه. فانظر في هذه الحالة إذا كان الشاهد يبكي لهول هذه المقالة ، فما ذا ينبغي أن يصنع المشهود عليه ، من الانتهاء عن كلّ ما يستحيا منه على رؤوس الأشهاد؟! ثم بيّن حال المشهود عليهم بقوله : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) أي : يودّ الّذين جمعوا بين الكفر وعصيان الأمر في ذلك الوقت أن يدفنوا فتسوّى بهم الأرض ، أي : يجعلون هم والأرض سواء كالموتى ،
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.