والصحيح الأوّل ، لأنّ الله تعالى بيّن حكم الجنب في حال وجود الماء بقوله : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ، ثم بيّن عند عدم الماء حكم المحدث.
بقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، فلا يجوز أن يدع بيان حكم الجنب عند عدم الماء ، مع أنّه جرى له ذكر في الآية ، وبيّن حكم المحدث ولم يجر له ذكر ، فعلمنا أنّ المراد بقوله : «لامستم» الجماع ، ليكون بيانا لحكم الجنب عند عدم الماء ، والمعلوم من قوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) أي : فلم تتمكّنوا من استعماله ، إذ الممنوع منه كالمفقود.
أراد سبحانه في هذه الآية أن يرخّص للّذين يجب عليهم الطهارة في التيمّم عند عدم الماء ، فخصّ أوّلا من بينهم مرضاهم ومسافريهم ، لأنّ الحال المقتضية للتيمّم في غالب الأمر مرض وسفر ، فلأجل ذلك قدّمهما على سائر الأسباب الموجبة للتيمّم ، ثمّ عمّ كلّ من وجب عليه الطهارة وأعوز الماء ، لخوف عدوّ أو سبع أو عدم ما يتوصّل به إلى الماء ، أو غير ذلك ممّا لا يكثر كثرة المرض والسفر ، فلذلك نظم في سلك واحد بين المريض والمسافر وبين المحدث والجنب ، ثم رتّب الحكم عليهم فقال : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أي : فتعمّدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا.
والتيمّم أصله القصد ، وقد يخصّص في الشرع بقصد الصعيد لمسح أعضاء مخصوصة.
وقال الزجّاج : لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أنّ الصعيد وجه الأرض ، ترابا كان أو صخرا لا تراب عليه ، فلو ضرب المتيمّم يده عليه ومسح لكان ذلك طهوره. وهو مذهب أبي حنيفة ، والمرويّ عن أئمّة الهدى عليهمالسلام. وعند الشافعي لا بدّ من علوق التراب باليد.
والتيمّم إن كان بدلا من الوضوء فضربة واحدة للوجه واليدين ، وإن كان بدلا