طاعته وطاعة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولا يجوز أن يوجب الله سبحانه طاعة أحد على الإطلاق إلّا من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الأمراء والعلماء سواهم. وجلّ سبحانه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه.
وممّا يدلّ على ذلك أيضا أنّ الله سبحانه لم يقرن طاعة أولي الأمر بطاعة رسوله ، كما قرن طاعة رسوله بطاعته ، إلّا وأولوا الأمر فوق الخلق جميعا ، كما أنّ الرسول فوق أولي الأمر وفوق سائر الخلق ، معصومون مأمونون عن الخطأ والقبح ، كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فهذه صفة أئمّة الهدى من آل محمّد صلّى الله عليهم ، الّذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم ، واتّفقت الأمّة على علوّ رتبتهم وعدالتهم ، وكيف يأمرنا الله مطلقا بطاعة من كان مثلنا في جواز صدور الخطأ والعصيان والسهو والنسيان منه؟! (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) أي : فإن اختلفتم في شيء من أمور دينكم (فَرُدُّوهُ) فردّوا التنازع (إِلَى اللهِ) إلى كتاب الله (وَالرَّسُولِ) وإلى سنّة رسوله في حياته ، وإلى من أمر بالرجوع إليه بعد وفاته في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».
فقد صرّح صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ في التمسّك بهما الأمان من الضلال ، فالردّ إلى أهل بيته ـ الّذين هم معادلو كتاب الله بعد وفاته ـ مثل الردّ إليه في حياته ، فإنّهم الحافظون لشريعته ، القائمون مقامه ، وخلفاؤه لأمّته. فثبت أنّ أولي الأمر هم الأئمّة المعصومون صلوات الله عليهم من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. فكأنّه قال سبحانه : فردّوه إلى الله وإلى الرسول في حياته ، وأهل بيته بعد وفاته. (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإنّ الإيمان يوجب ذلك.