الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأتيهم ، فأتاهم وصلّى فيه. فحسدهم إخوتهم المتخلّفون ، وهم بنو غنم بن عوف ، وكانوا من المنافقين ، فقالوا : نبني مسجدا فيصلّي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام ، ليثبت لهم الفضل والزيادة على إخوتهم ، وهو الّذي سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الفاسق.
وقال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم أحد : لا أجد قوما يقاتلونك إلّا قاتلتك معهم ، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين ، فلمّا انهزمت هوازن خرج هاربا إلى الشام ، وأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة وسلاح ، فإنّي ذاهب إلى قيصر وآت بجنود ، ومخرج محمّدا وأصحابه من المدينة.
وكانوا اثني عشر رجلا. وقيل : خمسة عشر رجلا ، منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، ونبتل بن الحارث.
فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا ، فلمّا فرغوا منه أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يتجهّز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه وتدعو لنا بالخير والبركة. فقال : إنّي على جناح سفر ، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه.
فلمّا انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من تبوك نزلت : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) عطف على (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ). أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : وممّن وصفنا الّذين اتّخذوا. أو منصوب على الاختصاص. وقرأ نافع وابن عامر بغير واو. (ضِراراً) مضارّة للمؤمنين (وَكُفْراً) وتقوية للكفر الّذي يضمرونه (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) يريد الّذين كانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قبا (وَإِرْصاداً) ترقّبا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعني : الراهب (مِنْ قَبْلُ) متعلّق بـ «حارب» أي : لأجل من حارب الله ورسوله من قبل أن يتّخذوا المسجد ، أو بـ «اتّخذوا» أي : اتّخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلّف.
قيل : أبو عامر كان قد ترهّب في الجاهليّة ولبس المسوح (١) ، فلمّا قدم
__________________
(١) المسوح جمع المسح ، وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن زهدا وتقشّفا.