(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا عالية ثابتة. واحدها راسية. (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) كراهة أن تميل بكم ، أو لئلّا تميل بكم وتضطرب. وذلك لأنّ الأرض قبل خلق الجبال فيها كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع ، وكان من شأن الكرويّات أن تتحرّك بالاستدارة كالأفلاك ، وأن تتحرّك بأدنى سبب للتحريك ، فلمّا خلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها ، وتوجّهت الجبال بثقلها نحو المركز ، فصارت كالأوتاد الّتي تمنعها عن الحركة.
وروي : أنّ الله سبحانه لمّا خلق الأرض جعلت تمور (١) ، فقالت الملائكة : ما هي بمقرّ أحد على ظهرها ، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ، ولم تدر الملائكة ممّ خلقت.
(وَأَنْهاراً) أي : وجعل فيها أنهارا ، لأن «ألقى» فيه معنى : جعل (وَسُبُلاً) وطرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى حيث شئتم من البلاد لمقاصدكم ، أو إلى معرفة الله.
(وَعَلاماتٍ) ومعالم الطرق ، وكلّ ما يستدلّ به السابلة من جبل ومنهل ونحو ذلك (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) بالليل في البراري والبحار. والمراد بالنجم الجنس ، كما يقال : كثر الدرهم في أيدي الناس. ويدلّ عليه القراءة الشاذّة : وبالنجم ، بضمّتين ، وضمّ وسكون ، على الجمع. وعن السدّي : هو الثريّا والفرقدان وبنات النعش والجدي.
وعن ابن عبّاس : سألت رسول الله عنه فقال : الجدي علامة قبلتكم ، وبه تهتدون في برّكم وبحركم.
ولعلّ الضمير لقريش ، لأنّهم كانوا كثيري الأسفار للتجارة ، مشهورين بالاهتداء في مسايرهم بالنجوم. وإخراج الكلام عن سنن الخطاب ، وتقديم النجم ، وإقحام الضمير للتخصيص ، كأنّه قيل : إنّ للناس ـ خصوصا لقريش ـ اهتداء
__________________
(١) أي : تضطرب وتتحرّك كثيرا وبسرعة من جهة إلى اخرى.