علما. ويؤكّد ذلك قوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) فإنّه ذكر بصيغة التعجّب ، للدلالة على أنّ أمره في الإدراك خارج عمّا عليه إدراك السامعين والمبصرين ، لأنّه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها ، كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما ، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر ، فلا يحجبه شيء ، ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف ، وصغير وكبير ، وخفيّ وجليّ.
والهاء تعود إلى الله ، ومحلّه الرفع على الفاعليّة. والباء مزيدة عند سيبويه. وكان أصله : أبصر ، أي : صار ذا بصر ، ثمّ نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء ، فبرز الضمير ، لعدم بيان الصيغة له ، أو لزيادة الباء ، كما في قوله تعالى : (وَكَفى بِهِ) (١). والنصب على المفعوليّة عند الأخفش ، والفاعل ضمير المأمور ، وهو كلّ أحد. والباء مزيدة إن كانت الهمزة للتعدية ، ومعدّية إن كانت للصيرورة. والمعنى : ما أبصر الله لكلّ مبصر! وما أسمعه لكلّ مسموع! فلا يخفى عليه شيء.
(ما لَهُمْ) الضمير لأهل السماوات والأرض (مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) من يتولّى أمورهم (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) في قضائه (أَحَداً) منهم ، ولا يجعل له فيه مدخلا.
وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم ، على نهي كلّ أحد عن الإشراك.
(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧))
وبعد ذكر أصحاب الكهف وبيان قصّتهم قال : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) من القرآن ، ولا تسمع لقولهم : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) (٢) (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملتجأ تعدل إليه إن هممت به.
__________________
(١) النساء : ٥٠.
(٢) يونس : ١٥