الملائكة ، فعصى ، فلعن ومسخ شيطانا. وتفصيل هذا المبحث قد مرّ (١) في سورة البقرة.
(أَفَتَتَّخِذُونَهُ) الهمزة للإنكار والتعجّب ، كأنّه قيل : أعقيب ما وجد منه تتّخذونه (وَذُرِّيَّتَهُ) أولاده أو أتباعه. وسمّاهم ذرّيّة مجازا. (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) أي : تستبدلونهم في ، فتطيعونهم بدل طاعتي (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) أي : بئس البدل من الله إبليس وذرّيّته لمن استبدله ، فأطاعه بدل طاعته.
ثم نفى مشاركتهم في الإلهيّة بقوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأعتضد بهم في خلقهما (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) ولا أشهدت بعضهم خلق بعض ، كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢). فنفى إحضار إبليس وذرّيّته خلق السماوات والأرض ، وإحضار بعضهم خلق بعض ، ليدلّ على نفي الاعتضاد بهم في ذلك ، كما صرّح به بقوله : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي : أعوانا ، ردّا لاتّخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة ، فإنّ استحقاق العبادة من توابع الخالقيّة ، والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها. فوضع «المضلّين» موضع الضمير ذمّا لهم بالإضلال ، واستبعادا للاعتضاد بهم ، فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق ، فما لكم تتّخذونهم شركاء في العبادة؟! وقيل : الضمير للمشركين. والمعنى : ما أشهدتهم خلق ذلك ، ولا خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم ، حتّى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون ، فلا تلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدين ، فإنّه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلّين لديني.
(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥))
__________________
(١) راجع ج ١ ص ١٣٢ ذيل الآية ٣٤ من سورة البقرة.
(٢) النساء : ٢٩.