ثمّ بيّن سبحانه أنّه قد أزاح العلّة ، وأظهر الحجّة ، وأوضح المحجّة ، فقال : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) للمؤمنين والكافرين (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ، والسؤال عن قصّة أصحاب الكهف ونحوها تعنّتا (لِيُدْحِضُوا بِهِ) ليزيلوا بالجدال (الْحَقَ) عن مقرّه ويبطلوه. من إدحاض القدم ، وهو إزلاقها. وذلك قولهم للرسل : ما أنتم إلّا بشر مثلنا ، ولو شاء الله لأنزل ملائكة ونحو ذلك. (وَاتَّخَذُوا آياتِي) يعني : القرآن (وَما أُنْذِرُوا) وإنذارهم ، أو والّذي أنذروا به من العقاب (هُزُواً) استهزاء.
وقرأ نافع والكسائي وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر وابن كثير بضمّتين وإبدال الواو همزة. وحفص : هزوا بضمّتين. وحمزة : هزءا ، بسكون الزاء والهمزة.
(وَمَنْ أَظْلَمُ) أي : ليس أحد أظلم لنفسه (مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) وعظ بالقرآن (فَأَعْرَضَ عَنْها) فلم يتدبّرها ، ولم يتذكّر بها (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) عاقبة ما كسبت من الكفر والمعاصي ، ولم يتفكّر في عاقبتهما ، ولم ينظر في أنّ المحسن والمسيء لا بدّ لهما من جزاء.
ثمّ عللّ إعراضهم ونسيانهم بقوله : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي : إنّهم مطبوع على قلوبهم خذلانا (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفقهوه ، فأعرض عنها ولم يتذكّر حين ذكر ، ولم يتدبّر. وتذكير الضمير وإفراده للمعنى. (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) ثقلا يمنعهم