مثلها ، لكنّه لمّا ضرى (١) بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قلّ اهتمامه بها ، أو نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار ، وانجذاب شراشره إلى جناب القدس ، بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة. وإنّما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه ، أو لأنّ عدم احتمال القوّة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعدّ من نقصان.
(وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) سبيلا عجبا ، وهو كونه كالسرب. أو اتّخاذا عجبا. والمفعول الثاني هو الظرف. وقيل : هو مصدر فعله المضمر ، أي : قال في آخر كلامه أو موسى في جوابه : عجبا ، تعجّبا من تلك الحال. وعن ابن عبّاس : الفعل لموسى ، أي : اتّخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.
(قالَ ذلِكَ) أي : أمر الحوت (ما كُنَّا نَبْغِ) نطلب ، لأنّه أمارة المطلوب. حذف الياء لدلالة الكسرة عليه. وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء وصلا ، وابن كثير مطلقا. (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) فرجعا في الطريق الّذي جاءا فيه (قَصَصاً) يقصّان قصصا ، أي : يتّبعان آثارهما اتّباعا. أو فارتدّا مقتصّين حتّى أتيا الصخرة الّتي هي مدخل الحوت.
(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) الجمهور على أنّه الخضر كما مرّ. واسمه بليا بن ملكان. وقيل : اليسع. وقيل : إلياس. (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) هي : الوحي والنبوّة (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) ممّا يختصّ بنا ، ولا يعلم إلّا بتوفيقنا. وهو علم الغيوب.
وقيل : إنّ موسى رآه على طنفسة خضراء فسلّم عليه. فقال : وعليك السلام يا نبيّ بني إسرائيل. فقال له موسى : وما أدراك من أنا؟ ومن أخبرك أنّي نبيّ؟ قال : من دلّك عليّ. وقيل : سلّم عليه موسى فعرّفه نفسه ، فقال : وأنّى بأرضنا السلام.
(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) وهو في موضع الحال من الكاف (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) علما ذا رشد ، وهو إصابة الخير. وقرأ البصريّان بفتحتين. وهما لغتان ، كالبخل والبخل. وهو مفعول «تعلّمني». ومفعول «علّمت» العائد
__________________
(١) أي : اعتاد وألف. وأصله من الضراوة ، وهي الدربة والعادة.