(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))
واعلم أنّه قد مرّ (١) في سورة بني إسرائيل أنّ اليهود قالوا : في كتابكم : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٢) ثمّ تقرؤون : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٣) ، فنزلت : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ) جنس البحر (مِداداً) ما يكتب به. وهو اسم ما يمدّ به الشيء ، كالحبر للدواة ، والسليط (٤) للسراج. (لِكَلِماتِ رَبِّي) لكلمات علمه وحكمته ، ومقدوراته وعجائبه (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) لنفد جنس البحر بأسره ، لأنّ كلّ جسم متناه (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) فإنّها غير متناهية فلا تنفد (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) بمثل البحر الموجود (مَدَداً) زيادة ومعونة ، لأنّ مجموع المتناهيين متناه ، بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلّا متناهيا ، للدلائل القاطعة على تناهي الأبعاد ، والمتناهي ينفد قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة.
ونصبه للتمييز ، كقولك : لي مثله رجلا. وهو مثل المدد معنى. والمعنى : أنّ الحكمة وإن كانت خيرا كثيرا في نفسه ، لكنّه قطرة من بحر كلمات الله.
__________________
(١) راجع ص ٦٧ ـ ٦٨ ذيل الآية ٨٥ من سورة الإسراء.
(٢) البقرة : ٢٦٩.
(٣) الإسراء : ٨٥.
(٤) في هامش النسخة الخطّية : «دهن الزيت. منه».