وإزالة ما يمنع قبول الولد أيسر في الاعتبار من ابتداء الإنشاء. وروى الحكم بن عيينة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إنّما ولد يحيى بعد البشارة له من الله بخمس سنين».
وفيه دليل على أنّ المعدوم ليس بشيء. وقرأ حمزة والكسائي : وقد خلقناك.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) علامة أعلم بها وقوع ما بشّرتني به (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) سويّ الخلق أي : علامتك أن تمنع الكلام ، فلا تطيقه وأنت سليم الجوارح صحيح البنية والآلات ، ما بك من خرس ولا بكم. وإنّما ذكر الليالي هنا والأيّام في آل عمران (١) ، للدلالة على أنّه استمرّ عليه المنع من كلام الناس والتجرّد للذكر والشكر ثلاثة أيّام ولياليهنّ.
قال ابن عبّاس : اعتقل لسانه من غير علّة ومرض ثلاثة أيّام ، فإنّه كان يقرأ الزبور ويدعو إلى الله سبحانه ويسبّحه ، ولا يمكنه أن يكلّم الناس. وهذا أمر خارج عن العادة.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥))
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) من المصلّى. سمّي محرابا لأنّ المتوجّه إليه في صلاته كالمحارب للشيطان على صلاته. والأصل فيه مجلس الأشراف الّذي يحارب دونه ذبّا عن أهله.
__________________
(١) آل عمران : ٤١.