ينبّهنا على النظر في أدلّة العقل. وعلى هذا التأويل تكون الآية عامّة في العقليّات والنقليّات.
وقال أكثر المفسّرين ، وهو الأصح : إنّ المراد بالآية أنّه لا يعذّب سبحانه في الدنيا ولا في الآخرة إلّا بعد البعثة. فتكون الآية خاصّة فيما يتعلّق بالسمع من الشرعيّات. فأمّا ما كانت الحجّة من جهة العقل ، وهو الإيمان بالله تعالى ، فإنّه يجوز العقاب بتركه وإن لم يبعث الرسول ، عند من قال : إنّ التكليف العقلي ينفكّ من التكليف السمعي. على أنّ المحقّقين منهم يقولون : إنّه وإن جاز التعذيب عليه قبل بعثة الرسول ، فإنّ الله سبحانه لا يفعل ذلك ، مبالغة في الكرم والفضل والإحسان والطول.
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦))
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) إذا دنا وقت إرادتنا بإهلاك أهل قرية بعد قيام الحجّة عليهم وإرسال الرسل إليهم.
وقيل : ذكر الإرادة على التجوّز والاتّساع ، وإنّما عنى بها قرب الهلاك والعلم بكونه لا محالة ، كما يقال إذا أراد العليل أن يموت : خلط في مأكله ويسرع إلى ما تتوق نفسه إليه ، وإذا أراد التاجر أن يفتقر : أتاه الخسران من كلّ وجه. ومعلوم أنّ العليل والتاجر لم يريدا في الحقيقة شيئا من ذلك ، لكن لمّا كان من المعلوم من حال هذا الهلاك ، ومن حال ذلك الخسران ، حسن هذا الكلام ، واستعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه. ولكلام العرب إشارات واستعارات ومجازات ، وكان كلامهم بهذا يصير في الغاية القصوى من الفصاحة والبلاغة.
فالمعنى : إذا قرب وقت تعلّق علمنا بإهلاك أهل قرية (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) متنعّميها بالإيمان والطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم ، توكيدا للحجّة عليهم. ويدلّ على ذلك ما