حقيقة الاستغفار للكافر استدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته.
والأصحّ أنّ الاستغفار له كان مشروطا بالتوبة عن الكفر. ودلّ عليه قوله تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (١) ، كما مرّ (٢) في سورة التوبة.
(إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) بليغا في البرّ والألطاف. يقال : حفي به حفاوة ، أشفق عليه وبالغ في إكرامه ، وهو حفيّ.
(وَأَعْتَزِلُكُمْ) وأتنحّى منكم جانبا (وَما تَدْعُونَ) تعبدون. ومنه قوله عليهالسلام : «الدعاء هو العبادة».
(مِنْ دُونِ اللهِ) بالمهاجرة بديني إلى الشام (وَأَدْعُوا رَبِّي) أي : أعبده.
ثمّ عرّض بشقاوتهم بدعاء آلهتهم في قوله : (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم. وفي تصدير الكلام بـ «عسى» التواضع وهضم النفس ، كقوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٣) مع تيقّنه بالغفران.
ويجوز أن يراد بالدعاء ما حكاه في سورة الشعراء حيث قال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٤).
(فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ) فارقهم (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بالهجرة إلى الشام (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) ولده (وَيَعْقُوبَ) ولد ولده ، بدل من فارقهم من الكفرة. قيل : لأنّه لمّا قصد الشام أتى أوّلا حرّان ، وتزوّج بسارة ، وولدت له إسحاق ، وولد منه يعقوب.
ولعلّ تخصيصهما بالذكر لأنّهما شجرتا الأنبياء ، أو لأنّه أراد أن يذكر فضل إسماعيل على الانفراد. (وَكُلًّا) وكلّا منهما ، أو منهم (جَعَلْنا نَبِيًّا).
__________________
(١) التوبة : ١١٤.
(٢) راجع ج ٣ ص ١٧٣. (٣ ، ٤) الشعراء : ٨٢ و ٨٦.