عليها ، أخذوا في الافتخار بما لهم من حظوظ الدنيا ، والاستدلال على أنّ زيادة حظّهم فيها يدلّ على فضلهم وحسن حالهم عند الله تعالى ، لقصور نظرهم على الحال ، وعلمهم بظاهر من الحياة الدنيا.
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤))
وقد روي أنّهم كانوا يرجّلون شعورهم ويدهنون ويتطيّبون ويتزيّنون بالزين الفاخرة ، ثمّ يدعون مفتخرين على فقراء المسلمين أنّهم أكرم على الله تعالى منهم. فردّ الله عليهم ذلك مع التهديد نقضا ، فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) «كم» مفعول «أهلكنا» ، و «من قرن» تبيين لإبهامها ، أي : كثيرا من القرون أهلكنا. وإنّما سمّي أهل كلّ عصر قرنا ، لأنّهم يتقدّمون من بعدهم.
(هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً) في محلّ النصب صفة لـ «كم». ألا ترى أنّك لو تركت «هم» لم يكن لك بدّ من نصب «أحسن» على الوصفيّة. و «أثاثا» تمييز عن النسبة. وهو متاع البيت. وقيل : هو ما جدّ (١) من الفرش ، غير مبتذل ولا ممتهن. والخرثي (٢) ما ليس منها ورثّ.
(وَرِءْياً) وهو المنظر والهيئة. فعل بمعنى مفعول ، من الرؤية لما يرى ، كالطحن والخبز. وقرأ قالون وابن ذكوان : ريّا على قلب الهمزة ياء وإدغامها ، أو على أنّه من الريّ الّذي هو النعمة والترفّه ، من قولهم : ريّان من النعيم. وأبو بكر : ريئا على القلب.
والمعنى : أنّا قد أهلكنا قبلهم أمما وجماعات كانوا أكثر أموالا وأحسن منظرا منهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ولا جمالهم ، كذلك لا يغني عن هؤلاء.
__________________
(١) في هامش النسخة الخطية : «من الجدة ضدّ الخلق. منه».
(٢) الخرثي : أردأ المتاع وسقطه ، والعتيق من لوازم البيت وما رثّ ـ أي : بلي ـ منها.