ثمّ عجّب الله سبحانه رسوله من أقاويل العتاة المردة من الكفرة ، وتماديهم في الغيّ ، وتصميمهم على الكفر ، واجتماعهم على دفع الحقّ بعد وضوحه وانتفاء الشكّ عنه ، وانهماكهم في اتّباع الشياطين وما تسوّل لهم ، فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) بأن خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم ، ولم نحل بينهم وبينهم ، ولو شاء لمنعهم قسرا وإجبارا ، لكنّه مناف للتكليف الّذي هو مناط الثواب والعقاب.
(تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) تهزّهم وتغريهم وتهيّجهم على المعاصي بالتسويلات وتحبيب الشهوات. والأزّ والهزّ والاستفزاز أخوات. ومعناها : التهييج وشدّة الإزعاج.
(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) بأن يهلكوا حتّى تستريح أنت والمؤمنون من شرورهم ، وتطهر الأرض من فسادهم بقطع دابرهم (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ) أيّام آجالهم (عَدًّا) أي : فلتطب نفسك يا محمّد ولا تستعجل بهلاكهم ، فإنّه لم يبق لهم إلّا أيّام محصورة ، وأنفاس معدودة ، وما دخل تحت العدّ فكان قد نفد. وهذا استقصار لمددهم.
وعن ابن عبّاس : أنّه كان إذا قرأها بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك ، أي : روحك ، آخر العدد فراق أهلك ، آخر العدد دخول قبرك.
وعن ابن سماك : أنّه كان عند المأمون فقرأها ، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ، ولم يكن لها مدد ، فما أسرع ما تنفد.
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))
ثمّ بيّن حال المطيعين المتّقين ، ومآل المتمرّدين العاصين في الآخرة ، بقوله :