وهو يأتي الرحمن ، أي : يأوي إليه ويلتجئ إلى ربوبيّته ، عبدا منقادا مطيعا خاشعا خاشيا راجيا ، كما يفعل العبيد ، وكما يجب عليهم ، لا يدّعي لنفسه ما يدّعيه له هؤلاء الضلّال. ونحوه قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) (١) وكلّهم متقلّبون في ملكوته ، مقهورون بقهره ، وهو مهيمن عليهم ، محيط بهم ، وبجمل أمورهم وتفاصيلها وكيفيّتهم وكمّيّتهم ، لا يفوته شيء من أحوالهم» (٢).
(وَكُلُّهُمْ) وكلّ واحد منهم (آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) منفردا عن الأتباع والأنصار ، فلا يجانسه شيء من ذلك ليتّخذه ولدا ، ولا يناسبه ليشرك به.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))
ثمّ ذكر سبحانه أحوال المؤمنين ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) سيحدث لهم في القلوب مودّة ، من غير تعرّض منهم لأسبابها ، من صداقة أو قرابة أو اصطناع بمبرّة ، أو غير ذلك ، وإنّما هو اختراع منه ابتداء ، كرامة لأوليائه ، كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة ، إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم.
وذكر سين التسويف ، لأنّ السورة مكّيّة ، وكان المؤمنون ممقوتين حينئذ بين
__________________
(١) الإسراء : ٥٧.
(٢) الكشّاف ٣ : ٤٦ ـ ٤٧.