وإمّا محذوف ، فيقع صفة له ، أي : تنزيلا حاصلا ممّن. ووجه الالتفات من المتكلّم إلى الغائب ، إمّا عادة الافتنان في الكلام ، وما يعطيه من الحسن والروعة. وإمّا أنّ هذه الصفات إنّما تسرّدت في القرآن مع لفظ الغيبة. وإمّا أنّه قال أوّلا : أنزلنا ، ففخّم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع. ثمّ ثنّى بالنسبة إلى المختصّ بصفات العظمة والتمجيد ، فضوعفت الفخامة من طريقين.
وهذه الصفات العظام والنعوت الفخام إلى قوله : (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) تفخيم لشأن المنزل ، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته على الترتيب الّذي هو عند العقل. فبدأ بخلق الأرض والسماوات الّتي هي أصول العالم ، وقدّم الأرض لأنّها أقرب إلى الحسّ ، وأظهر عند العقل من السماوات العلى. وفيه تنبيه على أنّ القرآن واجب الإيمان به والانقياد له ، من حيث إنّه كلام من هذا شأنه.
والعلى جمع العليا ، تأنيث الأعلى. وصفها بهذه الصفة للدلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوّها وبعد مرتقاها ، بحيث لا يصل رمي الفكر إلى هدفها.
(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧))
ثمّ أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها ، بأن قصد العرش فأجرى منه الأحكام والتقادير ، وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير ، حسبما اقتضته حكمته ، وتعلّقت به مشيئته ، فقال : (الرَّحْمنُ) رفعه إمّا على المدح ، تقديره : هو الرحمن. وإمّا أن يكون مبتدأ مشارا بلامه إلى من خلق. وقوله : (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) خبر آخر للمبتدأ ، أو خبره الأوّل. ولمّا كان الاستواء على العرش ـ وهو سرير الملك ـ ممّا يردف