الملك جعلوه كناية عن الملك ، فقالوا : استوى فلان على العرش ، يريدون : أنّه ملك وإن لم يقعد على السرير أصلا. ومعنى الاستواء عليه وتحقيقه قد مرّ (١) غير مرّة.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) ما تحت سبع الأرضين ، فإنّ الثرى آخر الطبقات الترابيّة من الأرض. وعن السدّي : هو الصخرة الّتي تحت الأرض السابعة. وهذا أيضا يدلّ على كمال قدرته وإرادته.
ولمّا كانت القدرة تابعة للإرادة ، ولا تنفكّ عن العلم ، عقّب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليّات الأمور وخفيّاتها ، فقال : (وَإِنْ تَجْهَرْ) برفع صوتك (بِالْقَوْلِ) بذكر الله ودعائه فاعلم أنّه غنيّ عن ذلك (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) وهو ما أسررته إلى غيرك ، أو ما أسررته في نفسك. وقيل : هذا نهي عن الجهر ، كقوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) (٢). والمعنى : فلا تجهد نفسك برفع الصوت ، فإنّك وإن لم تجهر علم الله السرّ.
(وَأَخْفى) من ذلك ، وهو ما أخطرته ببالك ، أو ما ستسرّه فيها.
وعن الباقر والصادق عليهماالسلام : «إنّ السرّ ما أخفيته في نفسك ، و «أخفى» : ما خطر ببالك ثمّ أنسيته».
وفيه تنبيه على أنّ شرع الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله ، بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها ، ومنعها عن الاشتغال بغيره ، وهضمها بالتضرّع والجوار (٣).
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨))
ثمّ إنّه لمّا ظهر بذلك أنّه المستجمع لصفات الألوهيّة ، بيّن أنّه المتفرّد بها والمتوحّد بمقتضاها ، فقال : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) هو تأنيث الأحسن. وفضّل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن ، لدلالتها على معان هي أشرف المعاني
__________________
(١) راجع ج ٢ ص ٥٣١.
(٢) الأعراف : ٢٠٥.
(٣) جأر يجأر جؤارا إلى الله : رفع صوته بالدعاء وتضرّع إليه.