(قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أجابه بأنّ هذا سؤال عن الغيب ، وقد استأثر الله عزوجل به لا يعلمه إلّا هو ، وما أنا إلّا عبد مثلك ، لا أعلم منه إلّا ما أخبرني به علّام الغيوب.
(فِي كِتابٍ) أي : علم أحوال القرون وأعمالهم مثبت في اللوح المحفوظ. ويجوز أن يكون هذا تمثيلا لتمكّنه في علمه بما استحفظه العالم وقيّده بالكتبة. ويؤيّده (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) والضلال أن تخطئ الشيء في مكانه فلم تهتد إليه ، كقولك : ضللت الطريق والمنزل. والنسيان أن تذهب عنه بحيث لا يخطر ببالك. وهما محالان على العالم بالذات.
ويجوز أن يكون سؤاله دخلا على إحاطة قدرة الله بالأشياء كلّها ، وتخصيصه أبعاضها بالصور والخواصّ المختلفة ، بأنّ ذلك يستدعي علمه بتفاصيل الأشياء وجزئيّاتها ، والقرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدّتهم وتباعد أطراف عددهم ، كيف أحاط علمه بهم وبأجزائهم وأحوالهم؟! فيكون معنى الجواب : أنّ علمه تعالى محيط بذلك كلّه ، وأنّه مثبت عنده ، ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان ، كما يجوزان عليك أيّها العبد الذليل والبشر الضئيل ، أي : لا يضلّ كما تضلّ أنت ، ولا ينسى كما تنسى يا مدّعي الربوبيّة بالجهل والوقاحة.
وعن ابن عبّاس : معناه : لا يترك من كفر به حتّى ينتقم منه ، ولا يترك من وحّده حتّى يجازيه.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))