(وَكَذلِكَ) عطف على (كَذلِكَ نَقُصُ) (١) أي : مثل إنزال هذه الآيات المتضمّنة للوعيد (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) كلّه على هذه الوتيرة (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) كرّرنا فيه آيات الوعيد ، وبيّنّاها على وجوه مختلفة وبألفاظ متفرّقة (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) المعاصي ، فتصير التقوى لهم ملكة (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) عظة واعتبارا يذكّرهم عقاب الله للأمم فيثبّطهم عن النواهي. ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم ، والإحداث إلى القرآن.
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤))
ولمّا صرّف الله سبحانه آياته من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه على حسب أعمالهم ، بيّن لهم عقيبها أمر ملكوته وكبرياء شأنه وجبروت سلطانه عليهم ، فقال : (فَتَعالَى اللهُ) في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين ، لا يماثل كلامه كلامهم ، كما لا تماثل ذاته ذاتهم (الْمَلِكُ) النافذ أمره ونهيه ، الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده (الْحَقُ) الثابت في ملكوته ويستحقّ الملك لذاته. أو الثابت في ذاته وصفاته.
ولمّا ذكر القرآن وإنزاله ، نهى على سبيل الاستطراد عن الاستعجال في تلقّي الوحي من جبرئيل ، ومساوقته في القراءة حتّى يتمّ وحيه ، فقال : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) مخافة نسيانه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) أي : إذا لقّنك جبرئيل عليهالسلام ما يوحي إليك من القرآن فلا تعجل في قراءته قبل تقضّيه ، بل كن مستمعا غير متكلّم حين يسمعك ويفهمك ، ثم أقبل عليه بالتحفّظ بعد ذلك.
وقيل : المراد النهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتيه بيانه. فمعناه : لا تقرأه لأصحابك حتّى يتبيّن لك ما كان منه مجملا.
__________________
(١) طه : ٩٩.