(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) وإن تعرض عن هؤلاء الّذين أمرتك بإيتاء حقوقهم عند مسألتهم إيّاك ـ لأنّك لا تجد ذلك ـ حياء من الردّ. ويجوز أن يراد بالإعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية. (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه ، أو منتظرين له. وقيل : معناه : لفقد رزق من ربّك ترجوه أن يفتح لك. فوضع الابتغاء موضعه ، لأنّه مسبّب عنه. (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أي : قولا ليّنا سهلا ، تطييبا لقلوبهم.
ويجوز أن يتعلّق قوله : (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) بجواب الشرط ، أعني قوله : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً). ومعناه : فقل لهم قولا ليّنا ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم ، بإجمال القول لهم. والميسور من : يسر الأمر ، مثل : سعد الرجل ونحس. وقيل : القول الميسور الدعاء لهم بالميسور ، وهو اليسر ، مثل : أغناكم الله ورزقنا الله وإيّاكم.
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١))
ثمّ أمر سبحانه بالاقتصاد الّذي هو بين الإسراف والتقتير ، فقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) هذان تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر.
والمعنى : لا تكن ممّن لا يعطي شيئا ولا يهب ، فتكون بمنزلة من يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الإعطاء. وهذا مبالغة في النهي عن الشحّ والإمساك. ولا تعط أيضا جميع ما عندك ، فتكون بمنزلة من بسط يده حتّى لا يستقرّ فيها شيء. والمقصود الأمر بالاقتصاد