المنهيّة ، من الشرك وفرط الإعراض عن الآيات الناهية (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) ولم يصدّقها ، بل كذّب بها وخالفها.
ولمّا توعّد المعرض عن ذكره بعقوبتين : المعيشة الضنك في الدنيا ، وحشره أعمى في الآخرة ، ختم آيات الوعيد بقوله : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) وهو الحشر على العمى الّذي لا يزول ابدا ، أو عذاب النار الدائمي ، أو كلاهما (أَشَدُّ وَأَبْقى) من ضنك العيش المنقضي.
أو : ولتركنا إيّاه في العمى أشدّ وأبقى من تركه لآياتنا.
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩))
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) مسند إلى ما دلّ عليه قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) أي : إهلاكنا إيّاهم. أو إلى الجملة ، أي ألم يهد لهم هذا الكلام؟ ونظيره قوله تعالى : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (١) أي : تركنا عليه هذا الكلام. ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول. ويدلّ عليه قراءته بالنون. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يمرّون بمساكن عاد وثمود ، ويشاهدون علامات هلاكهم حين يتّجرون إلى الشام.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) في إهلاكنا إيّاهم (لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي. وفيه تنبيه لهم وتخويف ، أي : أفلا يخافون أن يقع بهم مثل ما وقع بهؤلاء؟! (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمّة إلى الآخرة
__________________
(١) الصافّات : ٧٨ ـ ٧٩.