ذلك تهكّما إلى تهكّم ، وتوبيخا إلى توبيخ.
ولمّا رأوا العذاب ، ولم يروا وجه النجاة ، فلم ينفعهم الركض والانهزام (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا حيث كذّبنا رسل ربّنا. والمعنى : أنّهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب. والويل : الوقوع في الهلكة.
(فَما زالَتْ) أي : كلمة «يا ويلنا» (تِلْكَ دَعْواهُمْ) دعوتهم. وإنّما سمّيت دعوى ، لأنّ المولول كأنّه يدعو الويل ويقول : يا ويل تعال فهذا أوانك. وكلّ من «تلك» و «دعواهم» يحتمل الاسميّة والخبريّة.
(حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) مثل الحصيد ، وهو النبت المحصود ، ولذلك لم يجمع.
فشبّههم في استئصالهم واقتطاعهم بالمحصود ، كما تقول : جعلناهم رمادا ، أي : مثل الرماد. (خامِدِينَ) ميّتين. من : خمدت النار إذا انطفأت. وهو مع «حصيدا» بمنزلة المفعول الثاني ، أي : جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود ، كقولك : جعلته حلوا حامضا ، أي : جامعا للطعمين. فلا يقال : كيف ينصب «جعل» ثلاثة مفاعيل؟ والحاصل : أنّ حكم الأخيرين حكم الواحد ، فيكون «جعل» متعدّيا إلى مفعولين.
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨))
ثمّ بيّن أنّ الغرض من خلق أصناف الممكنات المشحونة بضروب البدائع وعجائب الصنائع ، أن يستدلّوا بها على وجود صانعها ، ليتخلّصوا بها من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ويتعرّجوا بها من كدورات الشكوك والأوهام إلى مدارج الإيقان ، فقال :