(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ما خلقنا هذا السقف المرفوع ، وهذا المهاد الموضوع ، وما بينهما من أصناف الخلائق ، منطوية على البدائع الغريبة ، مشحونة بالصنائع العجيبة ، للهو واللعب ، كما صنع الجبابرة سقوفهم المرفوعة وفرشهم الممهّدة للعب واللهو ، بل إنّما خلقناهما تبصرة للناظرين ، وتذكرة للمعتبرين ، وتسبّبا لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد. فينبغي أن يتوسّلوا بها إلى تحصيل الكمال ، ولا يغترّوا بزخارفها السريعة الزوال.
ثمّ بيّن أنّ السبب في ترك اتّخاذ اللهو واللعب في أفعاله هو أنّ الحكمة صارفة عنه ، وإلّا فهو قادر على اتّخاذه ، فقال : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ما يتلهّى به ويلعب (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) من جهة قدرتنا ، لأنّا على كلّ شيء قادرون ، كقوله : (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) (١) أي : من جهة قدرتنا.
وقيل : معناه : لاتّخذناه من عندنا ، ممّا يليق بحضرتنا من المجرّدات ، لا من الأجسام المرفوعة ، والأجرام السفليّة المبسوطة ، كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها (٢) ، وتسوية الفرش وتزيينها.
وعن ابن عبّاس : اللهو الولد بلغة اليمن. وعن الحسن : الزوجة. والمعنى : لو اتّخذنا نساء وولدا لاتّخذناه من أهل السماء ، ولم نتّخذه من أهل الأرض. يريد : لو كان ذلك جائزا عليه لم يتّخذه بحيث يظهر لهم ، بل يسرّ ذلك بحيث لم يطّلعوا عليه. وهذا ردّ على النصارى واليهود في أنّ المسيح وعزيز ابنا الله.
وقوله : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) محذوف الجواب ، أي : إن كنّا فاعلين ذلك لاتّخذناه ، فحذف لدلالة الجواب المتقدّم عليه.
وعن مجاهد وقتادة : معناه : ما كنّا فاعلين اللعب. فـ «إن» نافية ، والجملة كالنتيجة
__________________
(١) القصص : ٥٧.
(٢) أي : تنقيشها.