للشرطيّة.
ثمّ أضرب عن اتّخاذ اللهو ، ونزّه ذاته عن اللعب ، وقال : سبحاننا أن نتّخذ اللهو واللعب (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) بل من شأننا وعادتنا وموجب حكمتنا واستغنائنا عن القبيح ، أن نغلب الحقّ الّذي من جملته الجدّ على الباطل الّذي من عداده اللهو ، بأن نورد الأدلّة القاهرة على الباطل (فَيَدْمَغُهُ) فيمحقه.
استعار لذلك القذف ، وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرميّ ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشقّ غشاءه المؤدّي إلى زهوق الروح ، تصويرا لإبطاله به ومحقه ، ومبالغة فيه ، لأنّه جعل الحقّ كالجرم الصلب مثل الصخر ، فقذف به على جرم رخو أجوف فدمغه.
ثمّ ذكر ترشيح المجاز بقوله : (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) هالك مضمحلّ. وإذا كان الله سبحانه يظهر الحقّ بأدلّته الواضحة وحججه النيّرة ، ويبطل الباطل بهذه المثابة ، فكيف يفعل الباطل واللعب؟! (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) ممّا تصفونه به ممّا لا يجوز عليه. وهو في موضع الحال. و «ما» مصدريّة أو موصولة أو موصوفة.
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠))
ولمّا ذكر سبحانه هلاك الكفّار ، بيّن بعده أنّه ما يهلكهم إلّا بالاستحقاق ، لأنّه ما خلق العباد وما لأجلهم من السماء والأرض وما بينهما إلّا للعبادة ، فلمّا كفروا جازاهم بكفرهم ، فقال : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلقا وملكا وملكا (وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني : جنس الملائكة المكرّمين المنزّلين منه ـ لكرامتهم عليه وشرفهم ـ منزلة المقرّبين عند الملوك ، على طريق التمثيل والبيان ، لشرفهم وفضلهم. أو المراد به نوع من الملائكة