جعل الضمير واو العقلاء لوصفهما بفعلهم ، وهو السباحة ، كما قال : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (١).
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥))
روي أنّ المشركين مع وضوح تلك الآيات الدالّة على وجوب صانعها ووحدانيّتها عندهم ، توغّلوا في العناد والمكابرة ، ولم يصدّقوا الرسول في ذلك ، وكانوا يقدّرون أنّه سيموت ، ويقولون : نتربّص به ريب المنون ، فيشمتون بموته ، فنفى الله عنه الشماتة بقوله : (وَما جَعَلْنا) وما قضينا (لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) دوام البقاء في الدنيا. فلا أنت ولا هم إلّا عرضة للموت ، فإذا كان الأمر كذلك (أَفَإِنْ مِتَ) على ما يتوقّعونه وينتظرونه (فَهُمُ الْخالِدُونَ) يخلدون بعدك؟ وفي معناه قول القائل :
فقل للشامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
والمعنى : لئن متّ فإنّهم أيضا يموتون ، فأيّة فائدة لهم في تمنّي موتك. والفاء الداخلة على «إن» الشرطيّة لتعلّق الشرط بما قبله. والهمزة لإنكاره بعد ما تقرّر ذلك.
ثم برهن عليه بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ذائقة مرارة مفارقتها جسدها (وَنَبْلُوكُمْ) ونختبركم (بِالشَّرِّ) بما يجب فيه الصبر من البلايا (وَالْخَيْرِ) وبما يجب فيه الشكر من النعم (فِتْنَةً) ابتلاء واختبارا. مصدر من غير لفظه (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) وإلى حكمنا تردّون ، فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر. وإنّما سمّى ذلك ابتلاء ، وهو عالم بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم ، لأنّه في صورة الاختبار.
__________________
(١) يوسف : ٤.