والمعنى : نعاملكم معاملة المختبر بالفقر والغنى ، وبالشدّة والرخاء ، ليظهر على العالمين صبركم على ما تكرهون الله ، وشكركم فيما تحبّون.
وفيه إيماء بأنّ المقصود من هذه الحياة الابتلاء ، والتعريض للثواب والعقاب ، تقريرا لما سبق.
روي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام مرض فعاده إخوانه ، فقالوا : كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ قال : بشّر. قالوا : ما هذا كلام مثلك. فقال عليهالسلام : إنّ الله تعالى يقول : «ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة». فالخير الصحّة والغناء ، والشرّ المرض والفقر».
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦))
وقال بعض الزهّاد : الشرّ غلبة الهوى على النفس ، والخير العصمة عن المعاصي».
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّ يوما على جماعة من صناديد قريش ، منهم أبو جهل ، فضحك أبو جهل عليه ، وقال لقرنائه على سبيل الاستهزاء به : هو نبيّ بني عبد مناف.
فنزلت : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ما يتّخذونك إلّا مهزوءا به ، ويقولون : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي : بسوء ، ويقول : إنّها جمادات لا تنفع ولا تضرّ.
وإنّما أطلقه لدلالة الحال ، فإنّ ذكر العدوّ لا يكون إلّا بسوء ، وإن كان مطلقا ، كقولك للرجل : سمعت فلانا يذكرك ، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء ، وإن كان عدوّا فذمّ.
ومنه قولهم في إبراهيم : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) (١). وقولهم : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ).
(وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) بالتوحيد. أو بإرشاد الخلق ، ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم. أو بالقرآن. (هُمْ كافِرُونَ) منكرون.
__________________
(١) الأنبياء : ٦٠.