ولمّا تقدّم ذكر الوحي بيّن عقيبه أنّ إنزال القرآن على نبيّه ليس ببدع ، فقد أنزل على موسى وهارون التوراة ، فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) أي : أعطيناهما الكتاب الجامع ، لكونه فارقا بين الحقّ والباطل ، وضياء يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة ، وذكرا يتّعظ به المتّقون. أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع. أو ذكر الشرف.
وعن ابن عبّاس : الفرقان : الفتح والنصر ، كقوله : (يَوْمَ الْفُرْقانِ) (١). وعن الضحّاك : فلق البحر. وعن محمّد بن كعب : المخرج من الشبهات.
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) صفة للمتّقين. أو مدح لهم منصوب أو مرفوع. (بِالْغَيْبِ) حال من الفاعل ، أو المفعول (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) من القيامة وأهوالها (مُشْفِقُونَ) خائفون. وفي تصدير الضمير ، وبناء الحكم عليه ، مبالغة وتعريض.
ولمّا وصف التوراة أتبعه ذكر القرآن الّذي آتاه نبيّنا ، فقال : (وَهذا ذِكْرٌ) يعني : القرآن (مُبارَكٌ) كثير خيره ، وغزير منفعته ، من المواعظ والزواجر ، والأمثال الداعية إلى مكارم الأخلاق والأفعال (أَنْزَلْناهُ) على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) استفهام توبيخ ، أي : فلما ذا تنكرونه وتجحدونه مع كونه معجزا؟!
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤))
ثمّ عطف سبحانه على ما تقدّم من قصّة موسى وهارون بقصّة إبراهيم عليهالسلام ، الّذي
__________________
(١) الأنفال : ٤١.