يلعبون الشطرنج ، فقال : ما هذه التماثيل الّتي أنتم لها عاكفون؟ لقد عصيتم الله ورسوله».
ولمّا كان الاستفهام مستلزما لسؤاله إيّاهم عمّا اقتضى عبادتها وحملهم عليها (قالُوا) في جواب إبراهيم حين لم يجدوا حجّة في عبادتها : (وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) فقلّدناهم.
(قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أراد أنّ المقلّدين والمقلّدين جميعا منخرطون في سلك ضلال لا يخفى على من به أدنى مسكة ، لعدم استناد الفريقين إلى دليل ، بل إلى هوى متّبع ، وشيطان مطاع. والتقليد إن جاز فإنّما يجوز لمن علم في الجملة أنّه على حقّ ، كتقليد المقلّد المجتهد في فروع الإسلام لا في أصوله. وما أعظم كيد الشيطان للمقلّدين حين استدرجهم إلى أن قلّدوا آباءهم في عبادة التماثيل ، وعفّروا لها جباههم ، وهم معتقدون أنّهم على شيء ، وجادّون في نصرة مذهبهم ، ومجادلون لأهل الحقّ عن باطلهم. وكفى أهل التقليد عارا وسبّة (١) أن عبدة الأصنام منهم.
و «أنتم» من التأكيد الّذي لا يصحّ الكلام مع الإخلال به ، لأنّ العطف على ضمير مستتر هو في حكم بعض الفعل ممتنع. ونحوه : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (٢).
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨))
__________________
(١) السبّة : العار ، ومن يكثر الناس سبّه.
(٢) البقرة : ٣٥.