«هذه ـ يعني : الجنّة ـ رحمتي أرحم بها من أشاء».
(إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) الّذين سبقت لهم منّا الحسنى ، أي : بسبب أنّه من الصالحين الّذين أصلحوا أفعالهم ، فعملوا بما هو الحسن منها دون القبيح. وقيل : أراد أنّه من النبيّين.
(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧))
ثمّ عطف سبحانه قصّة نوح وداود على قصّة إبراهيم ، لما بينهما من الشبه في تحمّل المشاقّ العظيمة والأذى الكثيرة من الأمّة ، فقال : (وَنُوحاً إِذْ نادى) إذ دعى الله على قومه فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١) (مِنْ قَبْلُ) من قبل هؤلاء المذكورين (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) الغمّ الشديد الّذي يصل حرّه إلى القلب ويقلقه. وهو الطوفان ، أو أذى قومه.
(وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من : نصرته فانتصر ، بمعنى : منعته فامتنع. فهو من النصر الّذي يطاوعه الانتصار ، لا من النصر الذي بمعنى الإعانة ، لأنّ «من» آبية عنه. يقال : اللهمّ انصرني منه ، أي : اجعلني منتصرا منه. فالمعنى : جعلناه منتصرا منهم. وعن أبي عبيدة : «من» بمعنى «على». فعلى هذا يكون المعنى : أعنّاه عليهم ، بأن نغلبه ونسلّطه عليهم بعد أن كان مغلوبا في أيديهم.
(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) لاجتماع الأمرين : تكذيب الحقّ ، والانهماك في الشرّ فيهم ، فإنّهما لم يجتمعا في قوم إلّا وأهلكهم الله.
__________________
(١) نوح : ٢٦.