من الله ما نالوا بهذه الخصال.
وفي الآية دلالة على أنّ المسارعة إلى كلّ طاعة مرغّب فيها ، وعلى أن الصلاة في أوّل الوقت أفضل.
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢))
ولمّا كان عيسى وأمّه متأخّرين عن الأنبياء السابقة بالزمان ، قال بعد ذكر قصصهم : (وَالَّتِي) أي : اذكرها. وهي مريم بنت عمران. (أَحْصَنَتْ فَرْجَها) إحصانا كلّيّا من الحلال والحرام جميعا ، كما قالت : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (١).
(فَنَفَخْنا فِيها) أي : نفخنا الروح في عيسى فيها ، أي : أحييناه في جوفها. ونحو ذلك أن يقول الزمّار : نفخت في بيت فلان ، أي : نفخت في المزمار في بيته. فالنفخ بمعنى الإحياء ، كما في قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٢) أي : أحييته. أو معناه : فعلنا النفخ فيها.
(مِنْ رُوحِنا) أي : أجرينا فيها روح المسيح ، كما يجري الهواء بالنفخ. وإضافة الروح إلى نفسه على وجه الملك ، أي : من الروح الّذي هو بأمرنا. أو المعنى : من جهة روحنا ، وهو جبرئيل ، يعني : أمرنا جبرئيل فنفخ في جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها.
(وَجَعَلْناها وَابْنَها) أي : قصّتهما. أو حالهما. ولذلك وحّد قوله : (آيَةً لِلْعالَمِينَ). وهي ولادتها إيّاه من غير فحل ، وتكلّمه في المهد بما يوجب براءة ساحتها من العيب ، فإنّ من تأمّل حالهما تحقّق كمال قدرة الصانع تعالى.
__________________
(١) مريم : ٢٠.
(٢) الحجر : ٢٩.