(إِنَّ هذِهِ) أي : ملّة الإسلام الّتي جميع الأنبياء المذكورين عليها (أُمَّتُكُمْ) أي : ملّتكم الّتي يجب عليكم أن تكونوا عليها. والخطاب للناس كافّة. (أُمَّةً واحِدَةً) ملّة واحدة ، غير مختلفة فيما بين الأنبياء ، ولا مشاركة لغيرها في صحّة الاتّباع. وأصل الأمّة الجماعة الّتي على مقصد واحد. فجعلت الشريعة أمّة لاجتماعهم بها على مقصد واحد.
(وَأَنَا رَبُّكُمْ) الّذي خلقكم ، لا إله لكم غيري (فَاعْبُدُونِ) لا غير.
(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤))
ثمّ ذكر حال اليهود والنصارى بالاختلاف ، فالتفت من الخطاب إلى الغيبة لينعى عليهم تفرّقهم في دينهم إلى المؤمنين ، ويقبّح عندهم فعلهم ، فقال : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي : جعلوا أمر دينهم قطعا موزّعة بقبيح فعلهم.
والمعنى : ألا ترون أيّها المؤمنون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله ، وهو أنّهم جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزّع الجماعة الشيء ويقسّمونه ، فيصير لهذا نصيب ولذاك نصيب ، تمثيلا لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتّى ، متبرّأ بعضهم من بعض ، بالشيء المتوزّع.
ثم توعّدهم بقوله : (كُلٌ) من الفرق المتحزّبة (إِلَيْنا) الى حكمنا في وقت لا يقدر على الحكم سوانا (راجِعُونَ) فنجازيهم بأعمالهم.
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) شيئا ، مثل صلة الرحم ، ومعونة الضعيف ، ونصر المظلوم ، والتنفيس عن المكروب ، وغير ذلك من أنواع الطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالله ورسله ، لأن هذه الأشياء لو فعلها الكافر لم ينتفع بها عند الله ، فهذا لقطع طمع الكفّار الثواب لهذه المذكورات (فَلا كُفْرانَ) فلا تضييع (لِسَعْيِهِ) استعير الكفران لمنع الثواب ، كما استعير الشكر لإعطائه إذا قيل : إنّ الله شكور. ونفى نفي الجنس ليكون أبلغ