نزوله ، كقوله : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) (١). والحكمة في إنزاله ـ مع أنّهم يزدادون النفور عند إنزال القرآن ـ إلزام الحجّة ، وقطع المعذرة في إظهار الدلائل الّتي تحسن التكليف. وعن سفيان : كان إذا قرأها قال : زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا.
(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤))
ثمّ بيّن التوحيد بأوضح البيان ، فقال : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) ايّها المشركون. وقرأ ابن كثير وحفص بالياء فيه وفيما بعده ، على أنّ الكلام مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ووافقهما نافع وابن عامر وأبو بكر وأبو عمرو ويعقوب في الثانية ، على أنّ الأولى ممّا أمر الرسول أن يخاطب به المشركين ، والثانية ممّا نزّه به نفسه عن مقالتهم. (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) جواب عن قولهم ، وجزاء لـ «لو».
والمعنى : لطلبوا إلى من له الملك والربوبيّة طريقا بالمغالبة ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض ، فإنّ الشريكين في الإلهيّة يكونان متساويين في صفات الذات ، ويطلب أحدهما مغالبة صاحبه ليصفو له الملك. وفيه إشارة إلى برهان التمانع ، كقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢).
قيل : معناه ليقربوا إليه بالطاعة ، لعلمهم بقدرته وعجزهم ، كقوله :
__________________
(١) نوح : ٦.
(٢) الأنبياء : ٢٢.