(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (١).
(سُبْحانَهُ) تنزّه تنزيها (وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا) تعاليا (كَبِيراً) متباعدا غاية البعد عمّا يقولون ، فإنّه في أعلى مراتب الوجود ، وهو كونه واجب الوجود وواجب البقاء لذاته ، واتّخاذ الولد من أدنى مراتبه ، فإنّه من خواصّ ما يمتنع بقاؤه ، فوصف العلوّ بالكبر للمبالغة في معنى البراءة والبعد ممّا وصفوه به.
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) حيث تدلّ على صانعها وعلى صفاتها العلى بإمكانها وحدوثها.
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) وليس شيء من الموجودات (إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ينزّهه عمّا هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال ، إذ كلّها حادث مصنوع ، فتدلّ بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم ، الواجب لذاته ، القادر على جميع الممكنات ، على وجه كأنّها تنطق بذلك. وهذا التسبيح المجازي حاصل في الجميع ، فيحمل عليه. وأيضا هو من طريق الدلالة أقوى من التسبيح الحقيقي ، لأنّه يؤدّي إلى العلم به ، بخلاف الحقيقي.
(وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) أيّها المشركون ، فإنّهم وإن كانوا إذا سئلوا عن خالق السماوات والأرض قالوا : الله ، إلّا أنّهم لمّا جعلوا معه آلهة مع إقرارهم ، فكأنّهم لم ينظروا ولم يقرّوا ، لأنّ نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه ، فإذا لم يفقهوا التسبيح ، ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق.
ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ الّذي هو التسبيح الحقيقي ، والدلالة الّتي هي التسبيح المجازي ، لإسناده إلى ما يتصوّر منه اللفظ من الملائكة والثقلين ، وإلى ما لا يتصوّر منه من غير ذوي العقول. ويجوز حمله عليهما جميعا عند من جوّز إطلاق اللفظ على معنييه.
__________________
(١) الإسراء : ٥٧.