(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) (١) ، وقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (٢). وفضل التنبيه على أنّ العمى الحقيقي مكانه القلب ، لا المتعارف الّذي هو البصر.
وتوضيحه : أنّ الّذي قد تعورف واعتقد أنّ العمى على الحقيقة مكانه البصر ، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها ، واستعماله في القلوب استعارة ومثل. فلمّا أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار ، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف ، ليتقرّر أن مكان العمى حقيقة هو القلوب في الصدور لا الإبصار ، كما تقول : ليس المضاء للسيف ، ولكنّه للسانك الّذي بين فكّيك.
فقولك : «الّذي بين فكّيك» تقرير لما ادّعيته للسانه وتثبيت ، لأنّ محلّ المضاء هو هو لا غير.
روي : أنّه لمّا نزلت : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) (٣) ، قال ابن أمّ مكتوم : يا رسول الله إنّما أنا في الدنيا أعمى ، أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧))
ثمّ أنكر استعجالهم بالعذاب المتوعّد به عاجلا أو آجلا ، فقال : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) المتوعّد به (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) لامتناع الخلف في خبره ، فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين ، لكنّه صبور حليم لا يعجل بالعقوبة.
ثمّ بيّن تناهي صبره ، وتأنّيه في أموره ، فقال استقصارا للمدد الطوال : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) يعني : من حلمه ووقاره ، واستقصاره المدد الطوال ، أنّ
__________________
(١) آل عمران : ١٦٧.
(٢) الأنعام : ٣٨.
(٣) الإسراء : ٧٢.