وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢))
(ذلِكَ) الأمر ذلك الّذي قصصنا عليك. روي : أنّ جماعة من مشركي مكّة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم ، فقالوا : إنّ أصحاب محمّد لا يقاتلون في هذا الشهر ، فحملوا عليهم. فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبوا ، فأظهر الله المسلمين عليهم ، فنزلت : (وَمَنْ عاقَبَ) أي : جازى الظالم (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) بمثل ما ظلمه ، ولم يزد في الاقتصاص. وإنّما سمّى الابتداء بالعقاب ـ الّذي هو الجزاء ـ للمزاوجة ، أو لملابسته له ، من حيث إنّه سبب وذاك مسبّب عنه ، كما يحملون النظير على النظير ، والنقيض على النقيض للملابسة.
(ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) على المجازي بمعاودة الظالم على عقوبته (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) لينصرنّ المظلوم الّذي بغي عليه لا محالة (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) للمنتصر حيث اتّبع هواه في الانتقام ، وحرّم نفسه عمّا يوجبه العفو من المدح عند الله ، وأعرض عمّا ندب إليه بقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١). ولم ينظر إلى قوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٢). (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٣).
وفيه تعريض بالحثّ على العفو والمغفرة ، فإنّه تعالى مع كمال قدرته وعلوّ شأنه لمّا كان يعفو ويغفر ، فغيره بذلك أولى. وتنبيه على أنّه قادر على العقوبة ، إذ لا يوصف بالعفو إلّا القادر على ضدّه.
__________________
(١ ، ٢) الشورى : ٤٣ و ٤٠.
(٣) البقرة : ٢٣٧.