مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠))
ولمّا عدّد النعم المذكورة على الكفّار ، خوّفهم على كفرانها ، بذكر قوم نوح وغيرهم من أمم الأنبياء ، وما حاق بهم من زوال النعم بسبب كفرانها ، فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) الّذي هو ربّكم وخالقكم ورازقكم ، وشكر نعمته الّتي لا تحصونها واجب عليكم (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) استئناف يجري مجرى التعليل للأمر بالعبادة (أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافون أن يزيل عنكم نعمه ، فيهلككم ويعذّبكم برفضكم عبادته إلى عبادة غيره ، وكفرانكم نعمه الّتي لا تحصوها؟
(فَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) لعوامهم (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أي : يطلب الفضل عليكم ويسودكم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أن يرسل رسولا (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) رسلا ولم يرسل بشرا آدميّا (ما سَمِعْنا بِهذا) إشارة إلى نوح عليهالسلام ، أو إلى ما كلّمهم به من الحثّ على عبادة الله وحده ، أي : ما سمعنا بأنّه نبيّ ، أو بالّذي يدعونا إليه من عبادة الله ونفي إله غيره (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) وذلك إمّا لفرط عنادهم ، أو لأنّهم كانوا في فترة متطاولة.
وما أعجب شأنهم! إنّهم لم يرضوا للنبوّة ببشر وقد رضوا به للإلهيّة ، بل بأدون من البشر ، وهو الجمادات ، لانهماكهم في الغيّ ، وتشمّرهم أن يدفعوا الحقّ بما أمكنهم. ألا تراهم كيف جنّنوه وقد علموا أنّه أرجح الناس عقلا وأوزنهم قولا! فقالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي : به جنون ، أو به جنّ يخبّلونه ، ولأجله يقول : إنّي رسول الله (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) انتظروا واصبروا عليه (حَتَّى حِينٍ) حتّى يتجلّى أمره بأن يفيق من