أتباعا لهم (فَاسْتَكْبَرُوا) تجبّروا وتعظّموا عن الإيمان والمتابعة (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) متكبّرين ، كقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (١). أو متطاولين على الناس ، قاهرين بالبغي والظلم.
(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) ثنّى البشر ، لأنّه يطلق للواحد ، كقوله : (بَشَراً سَوِيًّا) (٢) ، كما يطلق للجمع ، كقوله : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) (٣). ولم يثنّ المثل ، لأنّه في حكم المصدر. وكذا يوصف به الجمع ، والمذكّر ، والمؤنّث. ومنه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (٤). (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) (٥). ويقال أيضا : هما مثلاه ، وهم أمثاله. ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) (٦).
واعلم أنّ هذه القصص ـ كما ترى ـ تشهد بأنّ قصارى شبه المنكرين للنبوّة قياس حال الأنبياء على أحوالهم ، لما بينهم من المماثلة في الحقيقة. وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمّل ، فإنّ النفوس البشريّة وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك ، لكنّها متباينة الأقدام جدّا فيهما قوّة وضعفا ، فكما ترى في جانب النقصان أغبياء لا ينفعهم التفكّر في تحصيل شيء ، ترى في طرف الكمال أغنياء عن التعلّم والتفكّر في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال ، فيدركون ما لا يدرك غيرهم ، ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم.
(وَقَوْمُهُما) يعني : بني إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) خادمون منقادون متذلّلون ، على وجه كأنّهم يعبدوننا. أو لأنّ فرعون كان يدّعي الألوهيّة ، فادّعى للناس عبادتهم إيّاه ، وأنّ طاعتهم له عبادة على الحقيقة.
__________________
(١) القصص : ٤. (٢ ، ٣) مريم : ١٧ و ٢٦.
(٤) النساء : ١٤٠.
(٥) الطلاق : ١٢.
(٦) الأعراف : ١٩٤.