(بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) الدين القويم والطريق المستقيم. وهو وحدانيّته تعالى عن الشرك والندّ. (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنّه يخالف شهواتهم وأهواءهم ، ولم يوافق ما ألفوه ونشأوا عليه ، وخلط بلحومهم ودمائهم من اتّباع الباطل ، ولم يمكنهم دفعه ، لأنّه الحقّ الأبلج والصراط المستقيم ، فمالوا إلى البهت ، وعوّلوا على كذبهم من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر.
وإنّما قيّد الحكم بالأكثر ، لأنّه كان من الصناديد والرؤساء من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه ، بأن يقولوا : ترك دين آبائه وتديّن بالدين المستحدث ، لا كراهة للحقّ.
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤))
ثمّ دلّ سبحانه على عظم شأن الحقّ بأنّ السماوات والأرض ما قامت ولا من فيهنّ إلّا بالحقّ ، فقال : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) بأن كان في الواقع آلهة شتّى (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) كما سبق تقريره في قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١).
وقيل : لو اتّبع الحقّ أهواءهم وانقلب باطلا ، لذهب ما قام به العالم ، فلا يبقى له
__________________
(١) راجع ص ٣١٠ ذيل الآية (٢٢) من سورة الأنبياء.