للرسالة من بين ظهرانيّهم. وأنّه لم يعرض له حاجة حتّى يدّعي مثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلّما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلّا إلى دين الإسلام الّذي هو الصراط المستقيم. وهم لفرط شغفهم بدين آبائهم الضلّال من غير برهان ، وتوغّلهم في العتوّ والاستكبار ، تعلّلوا بأنّه مجنون ، بعد ظهور الحقّ وثبات التصديق من الله ، بالمعجزات الباهرة والآيات النيّرة ، وأعرضوا عمّا فيه حظّهم من الذكر والشرف ، ومزيّة المرتبة في الدارين.
ولمّا كان خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحقّ وسلوك طريقة ، قال : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ) عن الصراط السويّ والطريق القويم (لَناكِبُونَ) لعادلون عنه.
(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧))
روي : أنّه لمّا أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة ، ومنع الميرة من أهل مكّة ، وأخذهم الله بالسنين إجابة لدعوة رسوله ، حتّى أكلوا العلهز (١) ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنّك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال :بلى. فقال : قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع. فنزلت : (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) يعني : القحط (لَلَجُّوا) لتمادوا عنادا (فِي طُغْيانِهِمْ) إفراطهم في الكفر ، والاستكبار عن الحقّ ، وعداوة الرسول والمؤمنين
__________________
(١) العلهز : طعام كانوا يتّخذونه من الدم ووبر البعير في سنّي المجاعة.