(يَعْمَهُونَ) عن الهدى.
ثمّ استشهد على هذا القول بقوله : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) يعني : قتل صناديدهم وأسرهم يوم بدر (فَمَا اسْتَكانُوا) فما وجدت منهم بعد ذلك استكانة (لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) وما يقيمون على التضرّع ، بل أقاموا على عتوّهم واستكبارهم. والاستكان استفعال من الكون ، بمعنى الانتقال من كون إلى كون ، كالاستحالة بمعنى الانتقال من حال إلى حال ، فإنّ المفتقر انتقل من كون إلى كون. أو افتعال من السكون ، أشبعت فتحته. ولم يقل : وما تضرّعوا ، أو فما يستكينون ، لأنّ المعنى : محنّاهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما من عادة هؤلاء أن يستكينوا أو يتضرّعوا.
(حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) يعني : الجوع ، فإنّه أشدّ من الأسر والقتل (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون من كلّ خير ، حتّى جاءك أعتاهم يستعطفك. أو محنّاهم بكلّ محنة من القتل والجوع ، فما رؤي منهم لين مقادة ، وهم كذلك حتّى إذا عذّبوا بنار جهنّم فحينئذ يبلسون ، كقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) (١). (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (٢).
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠))
__________________
(١) الروم : ١٢.
(٢) الزّخرف : ٧٥.