ثمّ بيّن سبحانه أنّه المنعم على ما خلقه بأنواع النعم ، ليتدبّروا فيها ويمتثلوا أوامره ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) لتحسّوا بها ما نصب من الآيات (وَالْأَفْئِدَةَ) لتتفكّروا فيها ، وتستدلّوا بها ، إلى غير ذلك من المنافع الدينيّة والدنيويّة ما لا يتعلّق بغيرها ، فإنّ الدلائل كلّها مبنيّة عليها ، ولهذا خصّت بالذكر (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) تشكرونها شكرا قليلا ، لأنّ العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجله ، والإذعان لما نحها من غير إشراك ، ومن لم يعملها فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها. و «ما» زائدة للتأكيد.
(وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) خلقكم وبثّكم فيها بالتناسل (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) تجمعون يوم القيامة بعد تفرّقكم.
(وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي) يحييكم في أرحام أمّهاتكم (وَيُمِيتُ) ويميتكم عند انقضاء آجالكم (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) مختصّ به تعاقبهما ، ولا يقدر غيره على تصريفهما. أو لأمره وقضائه تعاقبهما ، أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) بالنظر والتأمّل أنّ الكلّ منّا ، وأنّ قدرتنا تعمّ الممكنات كلّها ، وأنّ البعث من جملتها.
(بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣))
ثمّ أخبر سبحانه عن الكفّار المكذّبين بالبعث ، فقال : (بَلْ قالُوا) أي : كفّار مكّة (مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) آباؤهم ومن دان بدينهم.