ثمّ أكّد سبحانه ما قدّمه من أدلّة التوحيد ، فقال : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) لتقدّسه عن مماثلة أحد (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) يساهمه في الألوهيّة (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) جزاء شرط محذوف ، لدلالة ما قبله عليه ، أي : لو كان معه آلهة كما تقولون لذهب كلّ واحد منهم بما خلقه ، أي : لانفرد كلّ واحد من الآلهة بخلقه الّذي خلقه واستبدّ به ، ولرأيتم ملك كلّ واحد منهم متميّزا عن ملك الآخرين.
(وَلَعَلا) ولغلب (بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ووقع بينهم التجاذب والتحارب ، وظهر التغالب ، كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متمايزة وهم متغالبون ، فلم يكن بيده وحده ملكوت كلّ شيء. واللازم باطل بالإجماع والاستقراء ، وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد ، فما كان معه من إله. (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) من الولد والشريك ، لما سبق من الدليل على فساده.
(عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو عالم ما غاب وما حضر ، فلا يخفى عليه شيء. وقد جرّ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص على الصفة. وهو دليل آخر على نفي الشريك ، بناء على توافقهم في أنّه المنفرد بذلك. ولهذا رتّب عليه قوله : (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) بالفاء.
روي : أنّه سبحانه أخبر نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن له في أمّته نقمة ، ولم يخبره أفي حياته أم بعد وفاته ، فأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي) «ما» والنون مؤكّدتان ، أي : إن كان لا بدّ من أن ترينّي (ما يُوعَدُونَ) من العذاب في الدنيا والآخرة.