ثمّ بيّن سبحانه حال الفريقين يوم البعث ، فقال : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) لقيام الساعة بالصوت الهائل العظيم. وهو شبه قرن لنفخة إسرافيل عليهالسلام. وفي الحديث : «كيف أنعم وصاحب الصور التقم الصور ، أو التقمه».
وقيل : هي جمع الصورة. والمعنى : إذا أعيدت الأرواح إلى الأبدان. (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) ينفعهم ، لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة ، بحيث يفرّ المرء من أخيه ، وأمّه وأبيه ، وصاحبته وبنيه. أو يفتخرون بها. (يَوْمَئِذٍ) كما ينتفعون اليوم بها. ويحتمل أن تقاطع الأنساب يقع بينهم حيث يتفرّقون معاقبين ومثابين ، فتلغوا الأنساب وتبطل.
(وَلا يَتَساءَلُونَ) ولا يسأل بعضهم بعضا عن حاله وخبره ، لاشتغاله بنفسه. وهو لا يناقض قوله : (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) (١). (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢). لأنّه عند النفخة ، وذلك بعد المحاسبة ، فإنّ يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة ، ففيه أزمنة وأحوال مختلفة ، يتساءلون ويتعارفون في بعضها ، وفي بعضها لا يفطنون لذلك ، لشدّة الهول والفزع. أو التناكر يكون عند النفخة الأولى ، فإذا كانت الثانية قاموا من القبور فتعارفوا وتساءلوا. أو عدم التساؤل يكون في القيامة ، والتساؤل بعد دخول أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار.
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) جمع موزون. وهي الموزونات من عقائده وأعماله.
يعني : من كانت له عقائد صحيحة وأعمال صالحة ، يكون لها وزن وقدر عند الله. أو جمع ميزان ، كمواعيد جمع ميعاد. وهو القرسطون (٣) الّذي توزن به الأعمال. (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالنجاة والدرجات.
__________________
(١) يونس : ٤٥.
(٢) الصافّات : ٢٧.
(٣) القرسطون معرّب : كرستون. فارسيّة بمعنى الميزان الكبير ، فرهنگ فارسى للدكتور معين ٣ : ٢٩٤١.