ولمّا ختم الله سبحانه سورة المؤمنين بأنّه لم يخلق الخلق للعبث ، بل للأمر والنهي ، ابتدأ هذه السورة بذكر الأوامر والنواهي وبيان الشرائع ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ) أي : هذه سورة. أو فيما أوحينا إليك سورة. (أَنْزَلْناها) صفتها ، أي : أنزلها جبرئيل بأمرنا (وَفَرَضْناها) وفرضنا ما فيها من الأحكام. وأصل الفرض القطع ، أي :جعلناها واجبة مقطوعا بها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد الراء ، لكثرة فرائضها ، أو المفروض عليهم ، أو للمبالغة في إيجابها.
(وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على وحدانيّتنا وكمال قدرتنا ، أو حدودنا وأحكامنا الّتي شرعنا فيها (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) لكي تتّعظوا وتتّقوا بما فيها.
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣))
ثمّ شرع في بيان الأحكام ، وابتدأ بحكم الزنا الّذي هو أفحش الفواحش ، فقال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) مرفوعان بالابتداء ، وخبرهما محذوف عند الخليل وسيبويه ، أي : ممّا فرضنا أو أنزلنا حكمه حكم الزانية والزاني ، وهو الجلد. ويجوز أن يرفعا بالابتداء ، والخبر قوله : (فَاجْلِدُوا) أيّها الحكّام (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ). وعلى الأوّل جملة اخرى معطوفة على الأولى. والثاني قول المبرّد.
وعلى هذا لمّا كان المبتدأ متضمّنا معنى الشرط ، لأنّ اللام بمعنى اسم الموصول ، كما تقول : من زنى فاجلدوه ، أتى بالفاء ، أي : الّتي زنت والّذي زنى فاجلدوهما.